بســـــــم الله
الرحمــــــن الرحيــــم
قال الشيخ صالح الفوزان
في شرحه لثلاثة الأصول[306-300/1]
الطواغيت الذين ينطبق عليهم هذا التعريف: كل معبود أو
متبوع أو مطاع كثيرون؛ ولكن رؤوسهم خمسة يعني أكابرهم خمسة.
الأول: إبليس لعنه
الله، أي: طرده الله وأبعده عن رحمته بسبب أنه امتنع من
السجود لآدم وعصى الله سبحانه وتعالى وتكبر وقال: {قَالَ
أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص:
76] فعصى أمر الله وتكبر فلعنه الله وطرده وأبعده، وسمي إبليس قيل: لأنه أبلس من
الرحمة يعني يأس من الرحمة، فالْمُبْلِس هو اليائس من الشيء، فإبليس لعنه الله رأس
الطواغيت لأنه هو الذي يأمر بعبادة غير الله، وهو الذي يأمر باتباع غير رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وهو الذي يأمر بطاعة غير الله بالتحليل والتحريم، فإبليس هو
مصدر الشر وهو رأس الطواغيت.
الثاني: من عُبِدَ
وهو راض، أي: عبد وهو راض بعبادة الناس له فهو طاغوت، أما من
عبد وهو غير راض بذلك فلا يدخل في هذا؛ لأن عيسى عليه الصلاة والسلام عبد من دون
الله ولكنه غير راض بذلك، وأمه وعزير والأولياء والصالحون من عباد الله لا يرضون
بهذا، بل كانوا ينكرون هذا ويحاربون من فعله، فمن عبد وهو غير راض بذلك فإنه لا
يسمى طاغوتا.
ولذلك لما أنزل الله قوله: {إِنَّكُمْ
وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا
وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98] فرح المشركون، وقالوا: نحن نعبد المسيح
ونعبد ونعبد....، إذًا هم معنا في النار، فأنزل الله تعالى: إِنَّ {الَّذِينَ
سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لَا يَسْمَعُونَ
حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ}
[الأنبياء: 101 - 102] . في الآية الأخرى قالوا: {وَقَالُوا
أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} [الزخرف: 58] يعنون
عيسى عليه السلام ثم قال: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ
إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا
عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}
[الزخرف: 58، 59] فهو عبد لله ولا يرضى أن يعبد من دون الله بل بعثه الله بإنكار
ذلك: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ
اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة: 117] فالذي
عبد وهو غير راض بذلك، لا يدخل في هذا الوعيد ولا يكون طاغوتًا؛ لأنه منكر لذلك؛
لأن الطاغوت هو الذي يرضى بأن يعبد من دون الله عز وجل.
والثالث: من دعا
الناس إلى عبادة نفسه: مثل رؤوس المشركين
الذين يدعون الناس إلى عبادة أنفسهم مثل فرعون قال: {فَقَالَ
أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24] .
ومثل النمرود ومثل غلاة الصوفية الذين يدعون الناس إلى
عبادتهم حتى إنهم يوصون الناس أن يعبدوهم بعدما يموتون فيقول أحدهم: إذا أعيتكم
الأمور فأتوا إلى قبري، أي: إذا أعجزتكم الأمور فأتوا إلى قبري ولا يحول بينكم
وبيني حفنة من التراب، يوصون الناس أن يأتوا إلى قبورهم ويعدونهم أنهم سيقومون
بحوائجهم، فمن دعا الناس إلى عبادة نفسه حيا وميتًا فهو من رؤوس الطواغيت، وكذلك
من دعا الناس إلى عبادة غيره من الطواغيت وهم دعاة الشرك، هؤلاء طواغيت، الذين
يزينون الشرك للناس ويسمونه بغير اسمه ويقولون هذا من باب التوسل، أو هذا من باب
الشفاعة وهم كثير.
إن هؤلاء طواغيت لأنهم يدعون إلى الشرك، فهم يدعون إلى
عبادة غير الله ويسمون ذلك بغير اسمه، ويزينونه للناس بالشبهات وزخرف القول هؤلاء
هم الطواغيت، دعاة الشرك طواغيت، وكل من عبد من دون الله ورضي بذلك أو دعا الناس
إلى عبادة نفسه أو دعا الناس إلى عبادة غير الله فإنه من الطواغيت، بل هو من رؤوس
الطواغيت نسأل الله العافية.
الرابع: من ادعى شيئا من علم الغيب:
وهذا يدخل فيه السحرة والمنجمون والكهان والرمالون وكل من يدعي أنه يعلم الغيب
ويقول للناس: سيحصل لكم كذا وكذا، أنت سيحصل لك سعادة أو يحصل لك شيء من التعب، أو
توفق في زواج أو لا توفق، هؤلاء يدعون علم الغيب، والغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه
وتعالى، قال تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}
[النمل: 65] وقال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا
يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}
[الجن: 26، 27] وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ
الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ
الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}
[الأنعام: 59] .
لا يعلمها إلا هو: هذا حصر فلا يعلم الغيب إلا الله أو
من أطلعه الله على شيء من الغيب من رسله لأجل مصلحة البشر ومعجزة للرسول، لكن لم
يعلم الغيب من ذات نفسه وإنما علمه للغيب من تعليم الله له، فلا يعلم الغيب إلا
الله فمن ادعى علم الغيب فإنه يكون مشاركًا لله فيما اختص به سبحانه، فيكون مشركًا
وطاغوتًا وكافرًا، وهذا من أعظم أنواع الردة عن الإسلام.
الخامس: من حكم
بغير ما أنزل الله: ودليله قوله تعالى: {يُرِيدُونَ
أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} [النساء: 60] فالذي
يحكم بغير ما أنزل الله مستحلا لذلك يكون طاغوتًا، والذي يقول: أنه يجوز أن
يتحاكموا إلى القانون أو إلى العوائد في الجاهلية أو عوائد القبائل والبادية
ويتركوا الشرع، يقول: هذا حلال، أو: هذا يساوي ما أنزل الله، فإذا قال إنه أحسن
مما أنزل الله، أو يساوي ما أنزل الله، أو قال إنه حلال فقط، ولم يقل: إنه يساوي،
ولا أفضل، قال: حلال جائز، هذا يعتبر طاغوتًا، وهذا بنص القرآن، قال تعالى: {يُرِيدُونَ
أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} سمي طاغوتًا لأنه
تجاوز حده، أما من حكم بغير ما أنزل الله وهو يقر أن ما أنزل الله هو الواجب
الاتباع والحق، وأن غيره باطل، وأنه يحكم بباطل، فهذا يعتبر كافرا الكفر الأصغر
الذي لا يخرج من الملة، لكنه على خطر عظيم، على طريق قد يصل به إلى الكفر المخرج
من الملة إذا تساهل في هذا الأمر.
وأما من حكم بغير ما أنزل الله عن غير تعمد بل عن
اجتهاد، وهو من أهل الاجتهاد من الفقهاء واجتهد ولكن لم يصب حكم الله، وأخطأ في
اجتهاده فهذا مغفور له، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا حكم الحاكم، فاجتهد، ثم أصاب، فله
أجران، وإذا حكم فاجتهد، ثم أخطأ، فله أجر»
لأنه لم يتعمد الخطأ هو يريد الحق ويريد موافقة حكم الله عز وجل؛ لكنه لم يوفق له
فهذا يعتبر معذورًا ومأجورًا؛ ولكن لا يجوز اتباعه على الخطأ، لا يجوز لنا أن نتبعه
على الخطأ، ومن هذا اجتهادات الفقهاء التي أخطؤوا فيها أو اجتهادات القضاة في
المحاكم إذا اجتهدوا وبذلوا وسعهم في طلب الوصول إلى الحق ولكن لم يوفقوا فخطؤهم
مغفور.