بســـــــم الله
الرحمــــــن الرحيــــم
قال الشيخ صالح الفوزان
في شرحه لثلاثة الأصول[278-277/1]
الإيمان بالبعث، أي: أنه ليس المراد موت فقط، نحن علمنا
وكل يعلم حتى الكفار والملاحدة والزنادقة، كلهم يعلمون أنه لا بد من الموت، لا أحد
ينكر الموت لأنه شيء محسوس، لكن الشأن في البعث بعد الموت، هذا هو محل النزاع بين
المؤمنين والكفار، البعث بعد الموت، وهو إعادة الأجسام التي تفتت وصارت رميما
وترابا وتفرقت في الأرض، تعاد وتبنى كما كانت؛ لأن القادر على إنشائها أول مرة
قادر على إعادتها، ثم تنفخ فيها الأرواح ثم تتحرك وتسير من القبور إلى المحشر
لقوله تعالى: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا
كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج: 43] .
وقال تعالى: {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ
كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي}
[القمر: 7، 8] لا أحد يتخلف، فهذا البعث حق لا ريب فيه، ومن أنكره فهو كافر بالله
عز وجل، والإيمان بالبعث هو أحد الأركان الستة للإيمان التي قال فيها النبي صلى
الله عليه وسلم: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر
خيره وشره» فمن لم يؤمن بالبعث واليوم الآخر فإنه يكون كافرًا بالله عز وجل ولو
شهد بأن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ولو صلى وصام وحج وزكى وفعل
الطاعات، فإذا أنكر البعث أو شك فيه فإنه يكون كافرًا بالله عز وجل.
وأدلة البعث كثيرة منها قوله تعالى: {مِنْهَا
خَلَقْنَاكُمْ} [طه: 55] . يعني الأرض حينما خلق آدم عليه السلام أبا
البشرية {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ}
يعني بعد الموت في القبور {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ
تَارَةً أُخْرَى} هذا هو البعث. فهذه الآية تضمنت
البدء والإعادة: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا
نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} .
{وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ
مِنَ الْأَرْضِ} حينما خلق منها آدم عليه السلام، {ثُمَّ
يُعِيدُكُمْ فِيهَا} أي: بالموت والقبور {وَيُخْرِجُكُمْ
إِخْرَاجًا} هذا هو البعث، يخرجون من القبور ويسيرون إلى المحشر،
قال تعالى: {فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا
تُخْرَجُونَ} [الأعراف: 25] أي تحيون على ظهرها، وفيها تموتون ومنها
تخرجون للبعث يوم القيامة.
هذه أدلة من القرآن على البعث، أيضا دليل عقلي من القرآن
نفسه وهو أن الذي قدر على البداءة قادر على الإعادة من باب أولى، قال تعالى: {وَهُوَ
الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ
الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
[الروم: 27] الذي قدر على إيجاد الناس من عدم قادر على إعادتهم بعد الموت من باب
أولى، هذا دليل سمعي عقلي.
ومن الأدلة على البعث ما يحصل للأرض من الحياة بالنبات،
أنت ترى الأرض ميتة ليس فيها نبات جرداء، ثم إن الله سبحانه وتعالى ينزل عليه
المطر، ثم ينبت النبات الذي كان هشيما ميتا، كذلك الأجسام في الأرض كانت مخزنة في
الأرض فينزل الله عليها مطرًا، ثم تنبت الأجسام وتتكامل، ثم تنفخ فيها الأرواح،
فأنتم ترون الأرض كيف تكون قاحلة، ثم تحيا بما نبت فيها، الله جل وعلا هو الذي
يحيي الأرض بعد موتها: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ
تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ
وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت: 39] فالذي قدر على إحياء الأرض بعد موتها قادر
على إحياء الأجسام بعد موتها لأن الكل أحياء بعد الموت.
فهل يليق بالله أن يترك الناس هكذا دون أن يجازي أهل
الإيمان بإيمانهم، وأهل الإحسان بإحسانهم، وأهل الإجرام والكفر بإجرامهم وكفرهم؟
هذا لا يليق بحكمة الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال: {وَلِلَّهِ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا
وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم: 31]