الاثنين، 30 ديسمبر 2013

حكم طلب العلم في رمضان

بسم الله الرحمن الرحيم

سئل الألباني رحمه اللهُ - ما ملخَّصُه: قرأتُ أنّ بعضَ الأئمةِ كانوا إذا دَخَلَ رمضان انقطعوا للقرآن فقط، رغم أنهم مِن أهلِ العلم الذين يُفتون الناس، فينقطعون حتىٰ عن فتوى الناس، فهل هٰذا صحيح؟ هل أخصِّص هٰذا الشهر بالقرآن؟ فأترك قراءةَ الأحاديثِ وشرحِها ودروسَ القراءات وغير ذٰلك؟
فقال في جوابِهِ: هٰذا التَّخصيصُ ليس له أصْلٌ في السُّنَّة، ولٰكن الذي هو في السُّنَّة ومعلومٌ في "الصحيحين"([1]):  الإكثار مِن تلاوة القرآن في شهرِ رمضان.
أما تخصيصُ شهرِ رمضان لتلاوة القرآن فقط، دون أيِّ عِبادةٍ أُخرىٰ كطلبِ العلمِ وتدريسِ الحديث وبيانِه وشرحِه؛ فهذا ليس له أصْل، وكذٰلك يَدْخُل موضوعُ الْمَبَرَّات والصَّدَقات والإحسان إلى الناس، و و إلخ، الانقطاعُ للتلاوة ليس له أَصْل، الذي له أَصْلٌ هو الإكثارُ مِنها فَحَسْب.
     
                                                                 منقول من مدونة تمام المنة لابنة الشيخ الألباني رحمه الله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. قال النووي رَحِمَهُ اللهُ:" قَالَ أَصْحَابُنَا: السُّنَّةُ كَثْرَةُ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ وَمُدَارَسَتِهِ، وَهُوَ أَنْ يَقْرَأَ عَلَىٰ غَيْرِهِ وَيَقْرَأَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ، لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ" اﻫ. "المجموع شرح المهذب" (6/ 274). وقال الحافظ ابن رجب رَحِمَهُ اللهُ عن الحديث: "وفيه دليلٌ على استحبابِ الإكثارِ مِن تلاوةِ القرآنِ في شهرِ رمضانَ" اﻫ "لطائف المعارف" ص169.

فتوىٰ الإمام الألبانيّ رحمه الله في مسألةٍ تتعلّق بالتعزية وبالمعايَدة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ علىٰ خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلىٰ آله وصحبه ومَن تَبعهم بإحسانٍ إلىٰ يوم الدِّين.
أمّا بعد
فهاته فتوىٰ للإمام الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في تفصيلِ حُكمِ الذهاب للتعزية، وقد تضمَّنتْ بيان مسألةِ التزاوُرِ في العيد بقصْدِ المعايدة، وكان السؤال موجَّهًا له مِن بعض الأخوات:
ما حُكمُ التعزية؟ وهل يُذهَب إلىٰ أهل الميت مِن أجل تعزيتهم؟ علمًا بأنَّ كثيرًا من النساء يَذهبن للتعزية ويجلسن ولا يترتب مِن ذهابهن فائدةٌ تُذكَر، فهل التعزية جائزة أم غير جائزة؟ وهل الاتصال بأهل الميت بالهاتف يُعَدُّ مِن التعزية؟ مع الأدلة، وكذا التعزيةُ بالنسبة للأقارب، علمًا بأننا إذا لم نذهب؛ لا يترتب علىٰ ذٰلك قطيعة، وما تقول في ذهابِ البعض منّا في وقت التعزية مِن أجْل إنكار البدع أو تصبير أهل الميت إذا كانت المصيبةُ عظيمة؟
فقال رفع اللهُ درجاته في عليين:
"هٰذا هو المخرَج؛ إذا ذَهب ذاهبٌ إلىٰ مكانِ التعزية مِن أجْلِ التعزية أولًا، ثم مِن أجْلِ التنبيه علىٰ ما يفعلونه مِن المخالَفات الشرعية؛ فهٰذا يجوز، وإلَّا تكتفي المرأةُ بالتعزيةِ مِن وراء الهاتف.
وبهٰذه المناسبة أَذْكُر نكتةً أفعلُها في كثيرٍ مِن الأحيان وفيها التنبيهُ لِمسألةٍ ربما ما سمعتُم بها، فإنْ رأيتم الصواب؛ فعليكم بإحيائها، وإلَّا؛ فدُلُّونا عليه؛ على الصواب:
معلومٌ اليومَ بين الناس أنه إذا حَضَر عيدُ الفطر أو عيدُ الأضحىٰ يَذهب بعضُهم لزيارة بعضٍ لِلمُعايدة، تقولون هٰكذا في هٰذه البلاد؟
- نعم نعم.
الألباني أنا أعتقد أنّ هٰذه المعايدة بدعة.
- عجيب!
الألباني: إي والله!
- أول مرة نَعرف.
الألباني: أول مرة تَسمع.. أول مرة تَسمع ما سمعتَ الآن.
- نعم..
أقول أنَّ هٰذه المعايدة هي بدعة في الإسلام لم تكن في قديمِ الزمان، والمعايَدة إنما تكون في المصلَّىٰ، ومِن هنا تَظهر حكمةُ تجميعِ المسلمين في مكانٍ واحد يومَ العيد؛ لأنه يُسلِّم بعضُهم علىٰ بعض، ويتعرَّف بعضُهم لِبعض.
الشاهد أنَّ المسلمين اليوم -كما تعلمون- ما يَعرفون هٰذه القضية، ولو عرفوا؛ يصعب عليهم تطبيقُها، الشاهد: أنني أَذهب أحيانًا لِأُعايد علىٰ بعضِ الإخوان لٰكنْ أنا أقول له: أنا ترىٰ جئتُك زائرًا وما جئتُك مُعايدًا؛ لأن هٰذه المعايدة بدعة، فأنا جئتُ أولًا أغتنم فرصةَ وجودِك في البيت، فأنا أَزورك مِن جهة، وأبلِّغكَ الحُكمَ الشرعيَّ مِن جهة أخرىٰ.
فإذا النساء فَعلن هٰكذا في التعزية أو في غيرِ التعزية؛ فيكون جمعوا بين القيام بالتعزية وهي سُنَّة ولا شك، وبين التنبيهِ علىٰ ما قد يقع مِن بعض المنكرات، وأنا هٰكذا أفعل أيضًا أحيانًا حينما يَغلب علىٰ ظنِّي أنني إذا حضرتُ مكانَ التعزية يُسمَع لقولي، فأحضر، وأجدُهم -مع الأسف- مشغِّلين المسجل على القرآن، والذي يدخِّن! والذي يتكلم مع الثاني! وكأنّ هٰذا التسجيل للجُدُر وليس للبشر! فأنأ أنصحهم وأذكِّرهم أن اجتماعكم هٰذا هو خِلاف السُّنَّة، فكيف وقد اقترن بالاجتماع مخالَفات مكشوفة؟!
فالشاهد أنَّ الذَّهاب إلى التعزية مع الإنكار هٰذا يكون فيه مصلحتان.
- عن المعايدة يا شيخ! الآن اتسعت البلاد، وفي المصلَّىٰ لا تجد كلَّ الذين تريد أن تسلِّم عليهم، فتضطر أن تنتقل..
الألباني: لماذا لا تجد؛ لأنهم محافِظون على السُّنَّة؟!
- يصلُّون في مصلًّى آخر يا شيخ!
الألباني: ما أجبتَني؛ لأنهم محافِظون على السُّنَّة؟! المصلَّىٰ يجب أن يتسع لِلبلد كلِّه، وإلا ما الفائدة أننا تفرَّقنا في المساجد أو تفرَّقنا في المصلَّيات؟!
- الواقع أنه لا يتَّسع، هٰذا الواقع.
الألباني: لا بأس.. كم عدد [أهل] البلد الذين لا يتَّسع المصلَّىٰ لهم مع أرضِ اللهِ الواسعة؟!
- ... قضية جمع الناس في مصلًّى واحد.
- .. ما الحلّ؟
الألباني: الواجب أن مَن كان بيده العَقد والحلّ والرَّبط ينبَّهون بالتي هي أحسن إلىٰ حُكم الشرع، فيختارون أرضًا واسعة تتَّسع لكلِّ أهلِ البلدة، صحيح لو كان مِثل مصر والقاهرة أو مثل [..] التي يقولون ربما يقطع مسافة 100 كم مِن شرقِها إلىٰ غربها أو مِن شمالها إلىٰ جنوبها أو أكثر مِن ذٰلك، ممكن هٰذا، لٰكن هٰذا متىٰ يقال "لا يمكن"؟ بَعد إعمالِ الفِكر وإفراغ الجهد، أما نتَّكل علىٰ ما نحن عليه؛ هٰذا ليس عذرًا" اﻫ كلامُ الألباني جزاه الله خيرًا.

"فتاوى المرأة المسلمة" (الشريط 5، الدقيقة 12).


منقول من مدونة تمام المنة لابنة الشيخ الألباني رحمه الله

فتوىٰ الإمام الألبانيّ رحمه الله في حُكم التزاور في العيد

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمدُ لله وكفىٰ، وصلاةً وسلامًا علىٰ نبيِّه الذي اصطفىٰ، وعلىٰ آله وصحبِه ومَن أثرَه اقتفىٰ.
أمّا بعد، فهٰذا مِن كلام الإمام الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- بعد أن أجاب عن مسألة التكبير في العيد ووقتِه، وأنه لا يُقيَّد بأدبار الصلوات؛ فسئل سؤالًا، فقال:
"نعم هٰذا سؤال مهمّ؛ يجب أن نَعلم الفَرق بين عيد الفطر وعيد الأضحىٰ:
فعِيدُ الفطر في الإسلام إنما هو يومٌ واحد، أمّا العادة التي جرىٰ عليها العالَم الإسلاميّ -ما أدري منذ كم قرْن- مِن اعتبار العيد ثلاثة أيام؛ فهٰذا لا أصل له في دين الإسلام، العيدُ يومٌ واحد فقط.
أمّا عيد الأضحىٰ فهو كما هو معلوم اليوم والحمد لله، بدون زيادة ولا نقصان: أربعة أيام؛ اليوم الأول يوم النحر، وثلاثة أيام هي التي تُسمَّىٰ بأيام التشريق.
وبهٰذه المناسَبة أيضًا أنبِّه إلىٰ أنّ مِن الأمور التي اعتادها الناس، وورِثها الخَلَف، ولا أريد أن أقول: عنِ السلف! وإنما: الخَلَفُ عن الخَلَف! هو أن يُعَيِّدَ بعضُهم علىٰ بعض ويَتزاورون بمناسَبة العيد، ثلاثة أيام وأربعة أيام، هٰذا لا أصل له.
وقد يَظنّ بعضُ الناس أنّ المسألةَ سهلة، لأنه ليس فيها شيء مما يخالف الشريعة، سوى التزاور والتحابُب، فنقول:
أصْلُ أكثرِ البِدع موجودٌ ثابت في الشريعة، فالأذكار التي نُنكِرها داخلة في مِثل قوله:
﴿اذْكُرُوا اللّٰهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (الأحزاب: من الآية 41). والتَّزاوُر أيضًا مشروع، ولٰكن تخصيص وقت معيَّن لأيِّ عبادة، هٰذا ليس لغيرِ الله عَزَّ وَجَلَّ، ولذٰلك؛ فأنت زُرْ أخاك المسلم في أيّ وقتٍ شئتَ، في أيِّ وقتٍ تيسَّر لك، أمّا اتخاذ يومٍ مُعيَّن للزيارة، سواء لزيارةِ الأحياءِ أو لزيارةِ الأموات؛ فهٰذا مِن البِدعِ الإضافيَّة، زُرِ القبورَ متىٰ تيسَّر لك، ولٰكنْ لا تَعتقِدْ ولا تفعلْ أنّ زيارةَ القبور في يوم العيد وفي صباح العيد هو أمْرٌ [مشروع]، لا، بل قد يؤدِّي ببعضِ الناس إلىٰ أن يُضيِّعوا الفرْضَ وهو صلاة العيد مِن أجل بدعةِ تخصيص يوم العيد صباح العيد بزيارة الأموات!
فهٰذا التَّعايُد المعروف في العِيدَين ليس له أصل في الشريعة.
وكان مِن آثار ذٰلك، وصَدَقَ مَن قال مِن السلف:
"ما أُحْدِثَتْ بدعة، إلَّا وأُمِيتَتْ سُنّة"([1])؛ كان مِن آثار ذٰلك أن أطاحوا بهٰذه البدعة بسُنَّةٍ ثابتةٍ باتِّفاقِ علماء المسلمين، ألَا وهي الاجتماعُ في الْمُصَلَّىٰ لصلاةِ العِيدَين، والتزاوُر هناك يَكون، لٰكنْ -بطبيعة الحال- لَمّا الناس لا يَجتمعون في هٰذا المكان الواسع الذي يوفِّر علىٰ أفرادِ المسلمين أوقاتًا عظيمةً وكثيرة وثَمينة جدًّا، لأنَّ لو أنّ إنسانًا [..] قَعَد يَعمل حساب المسلمين هٰؤلاء كم وقتًا كم ساعات كم مجموع أيام، وما قلنا: شهور، مجموعهم يُضيِّع عليهم مِن الأوقات؟! بسبب أيش؟ الزيارة، أنا رُحتُ عند فلان؛ لم أَلْقَه، في الوقت الذي رحتُ عنده هو خرج مِن بيته جاء عندي؛ لم يَلقني! فكم يَضيع على الناس مِن الوقت؟! الشيء الكثير، وهٰذا الوقت -طبعًا، كما نَعلم جميعًا- هو أثْمَن مِن كلِّ شيء؛ لأنَّ الوقت هو أصْلُ كلِّ رزقٍ سواء كان هٰذا الرزقُ مادِّيًّا أم كان معنويًّا، لولا هٰذا الوقت لم يتمكَّن الإنسان من البيع والشِّراء والرِّبح والتجارة ونحو ذٰلك، ولم يتمكَّن مِن عبادةِ الله والصلاةِ له.. إلخ. فوَفَّر الشارعُ الحكيمُ علىٰ جميعِ المسلمين مِثلَ تضييع هٰذا الوقت بأنْ أَمَرهم بالخروج إلى المصلَّىٰ، يَجتمعون هناك، فهناك يَتزاورون وهناك يَتعارفون، فلمّا أضاعوا هٰذه السُّنَّة، كان سببُ ذٰلك أنهم أقاموا مقامها بدعة، ولذٰلك؛ قال بعض السلف -وبعضُ الرواة أخطأ فرواه حديثًا مرفوعًا إلى الرسولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-:
"ما أُحْدِثَتْ بدعة، إلَّا وأُمِيتَتْ سُنّة"، لٰكنْ هٰذا الكلام واقعيّ صحيح، وكثيرًا ما ضَربْتُ لكم مَثلًا عمليًّا، يوميًّا:
يدخل أحدُنا المسجد فيتوضأ، يدخل عليه صاحبُه فيبادره بقوله: (زمزم).
راح السلام! السلام الذي هو واجبٌ مِن الواجبات راح! ما الذي روّحه؟ هٰذه الكلمة اليسيرة [بلا كلفة] (زمزم)!
والشيطان قَعد للإنسان في طُرقه، في [مدارجه] إلى الخير، فهو حريص كلَّ الحرص أن ينحرف به عن الجادَّة، كما جاء في الحديث الصحيح([2]أنّ الرسول عَلَيْهِ السَّلَامُ خَطَّ أمام الصحابة خطًّا مستقيمًا على الأرض، وخَطَّ خطوطًا قصيرةً حول هٰذا الخطّ، وقرأ قوله تَعَالَىٰ:
﴿وَأَنَّ هَـٰـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ (الأنعام: من الآية 153)، فالشياطين تَنصب هٰذه الطُّرق، وتدعو الناسَ إلىٰ أنْ يخرجوا عن الصراط المستقيم، وما هٰذه الطرق إلا البدع والأهواء التي تُسلَّط على الناس وتُزيَّن لهم؛ فيتَّبِعونها ﴿وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (الكهف: من الآية 104).

فإذًا؛ التكبير في العيد مشروع، لٰكنْ بدون تحديدِ وقتٍ مُعَيَّن" اﻫ مِن "فتاوىٰ سوريا" (الشريط 92، الدقيقة 48 تقريبًا).


منقول من مدونة تمام المنة لابنة الشيخ الألباني رحمه الله


([1]) روى الدارمي -رَحِمَهُ اللهُ- في "سننه" (99) عَنْ حَسَّان بن عطيّة رَحِمَهُ اللهُ، أنه قَالَ:
"مَا ابْتَدَعَ قَوْمٌ بِدْعَةً فِي دِينِهِمْ إِلَّا نَزَعَ اللهُ مِنْ سُنَّتِهِمْ مِثْلَهَا، ثُمَّ لَا يُعِيدُهَا إِلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ". وصحَّح إسنادَه أبي رَحِمَهُ اللهُ؛ "الضعيفة" (14/ 457/ تحت 6708 وهو المرفوع).
([2]) عن جابر بن عبد الله رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: "كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَطَّ خَطًّا هَـٰكَذَا أَمَامَهُ، فَقَالَ:
«هٰذا سَبِيلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»، وَخَطَّ خَطًّا عَنْ يَمِينِهِ، وَخَطَّ خَطًّا عَنْ شِمَالِهِ، وَقَالَ:

«هٰذِهِ سُبُلُ الشَّيْطَانِ»، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ فِي الْخَطِّ الأَوْسَطِ، ثُمَّ تَلَا هٰذه الآيَةَ: ﴿وَأَنَّ هٰذا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (الأنعام)".  رواه ابن أبي عاصم في "السُّنَّة"، وروىٰ نحوَه عن ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ يُنظر "ظلال الجنة" (16 و17).

السبت، 28 ديسمبر 2013

فَائِدَة جليلة إِذا أصبح العَبْد وَأمسى وَلَيْسَ همه إِلَّا الله وَحده تحمل الله سُبْحَانَهُ حَوَائِجه كلهَا

بسم الله الرحمن الرحيم


فَائِدَة جليلة إِذا أصبح العَبْد وَأمسى وَلَيْسَ همه إِلَّا الله وَحده تحمل الله سُبْحَانَهُ حَوَائِجه كلهَا، وَحمل عَنهُ كل مَا أهمه، وَفرغ قلبه لمحبته، وَلسَانه لذكره، وجوارحه لطاعته، وَإِن أصبح وَأمسى وَالدُّنْيَا همه، حمله الله همومها وغمومها وأنكادها، ووكله إِلَى نَفسه فشغل قلبه عَن محبته بمحبة الْخلق، وَلسَانه عَن ذكره بذكرهم، وجوارحه عَن طَاعَته بخدمتهم وأشغالهم، فَهُوَ يكدح كدح الْوَحْش فِي خدمَة غَيره، كالكير ينْفخ بَطْنه ويعصر أضلاعه فِي نفع غَيره لكل من أعرض عَن عبودية الله وطاعته ومحبته بلي بعبودية لمخلوق، ومحبته وخدمته قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}، قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: لَا تأتون بِمثل مَشْهُور للْعَرَب إِلَّا جِئتُكُمْ بِهِ من الْقُرْآن، فَقَالَ لَهُ قَائِل فَأَيْنَ فِي الْقُرْآن أعْط أَخَاك تَمْرَة فَإِن لم يقبل فأعطه جَمْرَة، فَقَالَ فِي قَوْله {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً} الْآيَة.

الجمعة، 27 ديسمبر 2013

فَائِدَة:للْإنْسَان قوتان، قُوَّة علمية نظرية، وَقُوَّة عملية إرادية،

بسم الله الرحمن الرحيم

فَائِدَة:للْإنْسَان قوتان، قُوَّة علمية نظرية، وَقُوَّة عملية إرادية، وسعادته التَّامَّة مَوْقُوفَة على استكمال قوتيه العلمية الارادية واستكمال الْقُوَّة العلمية، إِنَّمَا يكون بِمَعْرِفَة فاطره وبارئه وَمَعْرِفَة أَسْمَائِهِ وَصِفَاته وَمَعْرِفَة الطَّرِيق الَّتِي توصل إِلَيْهِ، وَمَعْرِفَة آفاتها وَمَعْرِفَة نَفسه وَمَعْرِفَة عيوبها.
فبهذه المعارف الْخَمْسَة يحصل كَمَال قوته العلمية. وَأعلم النَّاس أعرفهم بهَا وأفقههم فِيهَا، استكمال الْقُوَّة العلمية الإرادية لَا تحصل إِلَّا بمراعاة حُقُوقه سُبْحَانَهُ على العَبْد، وَالْقِيَام بهَا إخلاصا وصدقا وَنصحا وإحسانا ومتابعة وشهودا لمنّته عَلَيْهِ، وتقصيره هُوَ فِي أَدَاء حقّه. فَهُوَ مستحي من مواجهته بِتِلْكَ الْخدمَة لعلمه أَنَّهَا دون مَا يستحقّه عَلَيْهِ، وَدون دون ذَلِك، وَأَنه لَا سَبِيل لَهُ إِلَى استكمال هَاتين القوتين إِلَّا بمعونته، فَهُوَ مُضْطَر إِلَى أَن يهديه الصِّرَاط الْمُسْتَقيم، الَّذِي هدى إِلَيْهِ أولياءه وخاصّته، وَأَن يجنّبه الْخُرُوج عَن ذَلِك الصِّرَاط إِمَّا بِفساد فِي قوته العلمية فَيَقَع فِي الضلال، وإما فِي قوّته العملية فَيُوجب لَهُ الْغَضَب.
فكمال الْإِنْسَان وسعادته لَا تتمّ إِلَّا بِمَجْمُوع هَذِه الْأُمُور، وَقد تضمنّتها سُورَة الْفَاتِحَة وانتظمتها أكمل انتظام فَإِن قَوْله {الْحَمد لله رب الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يتضمّن الأَصْل الأوّل وَهُوَ معرفَة الرب تَعَالَى وَمَعْرِفَة أَسْمَائِهِ وَصِفَاته وأفعاله، والأسماء الْمَذْكُورَة فِي هَذِه السُّورَة هِيَ أصُول الْأَسْمَاء الْحسنى، وَهِي اسْم الله والرب والرحمن، فاسم الله متضمّن لصفات الألوهيّة، وَاسم الرب متضمّن الربوبية، وَاسم الرَّحْمَن مُتَضَمّن لصفات الْإِحْسَان والجود وَالْبر، ومعاني أَسْمَائِهِ تَدور على هَذَا وَقَوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يتضمّن معرفَة الطَّرِيق الموصلة إِلَيْهِ، وَأَنَّهَا لَيست إِلَّا عِبَادَته وَحده بِمَا يحبّه ويرضاه واستعانته على عِبَادَته وَقَوله {اهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم} يتضمّن بَيَان أَن العَبْد لَا سَبِيل لَهُ إِلَى سعادته إِلَّا باستقامته على الصِّرَاط الْمُسْتَقيم، وَأَنه لَا سَبِيل لَهُ إِلَى الاسْتقَامَة إِلَّا بهداية ربه لَهُ، كَمَا لَا سَبِيل لَهُ إِلَى عِبَادَته إلا بمعونته، فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَى الاسْتقَامَة على الصِّرَاط إِلَّا بهدايته، وَقَوله {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} يتضمّن بَيَان طرفِي الانحراف عَن الصِّرَاط الْمُسْتَقيم، وَأَن الانحراف إِلَى أحد الطَّرفَيْنِ انحراف إِلَى الضلال، الَّذِي هُوَ فَسَاد الْعلم والاعتقاد، والانحراف إِلَى الطّرف الآخر انحراف إِلَى الْغَضَب الَّذِي سَببه فَسَاد الْقَصْد وَالْعَمَل.

فأوّل السُّورَة رَحْمَة، وأوسطها هِدَايَة، وَآخِرهَا نعْمَة، وحظ العَبْد من النِّعْمَة على قدر حظّه من الْهِدَايَة، وحظّه مِنْهَا على قدر حظّه من الرَّحْمَة، فَعَاد الْأَمر كلّه إِلَى نعْمَته وَرَحمته، وَالنعْمَة وَالرَّحْمَة من لَوَازِم ربوبيّته فَلَا يكون إِلَّا رحِيما منعما، وَذَلِكَ من مُوجبَات إلهيّته، فَهُوَ الْإِلَه الْحق وَإِن جَحده الجاحدون، وَعدل بِهِ الْمُشْركُونَ، فَمن تحقّق بمعاني الْفَاتِحَة علما وَمَعْرِفَة وَعَملا وَحَالا، فقد فَازَ من كَمَاله بأوفر نصيب وَصَارَت عبوديّته عبوديّة الخاصّة الَّذين ارْتَفَعت درجتهم عَن عوام المتعبّدين وَالله الْمُسْتَعَان.

Translate